بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهديةه أمابعد:فهذه قصة القاضي مع الذباب
تذكر دائما أن العظيم هو الله .
نبذة عن الكاتب:أبوا عثمان عمر بن بحر الجاحظ, أديب عربي ولد نحو 160هـ ,في وسط فقير اضطره الى العمل للحصول على قوته وقوت أهله ,وقد حصل العلم بمختلف فروعه, وألف عدة كتب في شتى الميادين, من أهمها : البيان والتبيين",و"والبخلاء",بالإضافة إلى مجموعة من الرسائل كرسالة "التربيع والتدوير ".
كان لنا بالبصرة قاض يقال له:عبد الله بن سوار , لم ير الناس حاكما قط ولا زميتا , ولا ركينا ولا وقورا حليما ضبط من نفسه وملك من حركته مثل الذي ضبض ومل , وكان يصلي الغداة في منزله , وهو قريب الدار من مسجده , فيأتي مجلسه فيحتبي ولا يتكئ , فلا يزال منتصبا لايتحرك له عضو, ولايلتفت , ولا يحل حبوته , ولا يحول رجلا عن رجل , ولايعتمد على أحد شقيه , حتى كأنه بناء مبني , أو صخرة منصوبة , فلا يزال كذالك حتى يقوم لصلاة المغرب , ثم ربما عاد الى محله , بل كثيرا ماكان يكون ذالك إذا بقى عليه من قراءة العهود والشروط والوثائق , ثم يصلي العشاء الأخيرة وينصرف , فالحق يقال : لم يقم في طول تلك المدة والولاي مرة واحدة إلى الوضوء , ولا احتاج إليه , ولاشرب ماء ولاغيره من الشراب , كذالك كان شأنه في طوال الأيام وفي قصارها , وفي صيفها وفي شتائها , وكان مع ذالك لايحرك يديه , ولا يشير برأسه , وليس إلا أن يتكلم ثم يوجز , ويبلغ بالكلام اليسير المعاني الكثيرة , فبينا هو كذالك ذات يوم أصحابه حواليه , وفي السماطين بين يديه,إذ سقط على أنفه ذباب فأطال المكث, ثم تحول إلى مؤق عينيه,
فرام الصبر في سقوطه على أنفه من غير أن يحرك أرنبته,أو يغضن وجهه , أو يذب بإصبعه, فلما طال ذالك عليه من الذباب, وشغله وأوجعه وأحرقه,وقصد إلى مكان لا يحتمل التغافل, أطبق جفنه الأعلى على جفنه الأسفل فلم ينهض,فدعاه ذالك إلى أن والى بين الإطباق والفتح, فتنحي ريث ما سكن جفنه, ثم عاد إلى مؤقه بأشد من مرته الأولى, فغمس خرطومه في مكان كان قد أوهاه قبل ذالك, فكان احتماله له أضعف,وعجزه عن الصبر في الثانية أقوى, فحرك أجفانه, وزاد في شدة الحركة وفي فتح العين,وفي تتابع الفتح والإطباق, فتنحى عنه بقدر ماا سكنت حركته , ثم عاد إلى موضعه ,فما زال يلح عليه حتى إستفرغ صبره وبلغ مجهوده, فلم يجد بدا من أن يذب عن عينيه بيده, ففعل وعيون القوم إليه ترمقه, وكأنهم لايرونه , فتنحى عنه بقدر مارد يده وسكنت حركته,ثم عاد إلى موضعه ,ثم ألجأه إلى أن ذب عن وجهه بطرف كمه,ثم ألجأه إلى أن تابع بين ذالك , وعلم أن فعله كله بعين من حضره من أمنائه وجلسائه, فلما نظروا إليه قال: أشهد أن الذباب ألح من الخنفساء,وأزهى من الغراب!وأستغفر الله!فما أكثر من أعجبته نفسه أراد الله (عزوجل)أن يعرفه من ضعفه ماكان عنه مستورا!وقد علمت أني عند الناس من أزمت الناس,فقد غلبني وفضحني أضعف خلقه!
ثم تلا قوله تعالى:{وإن يسلبهم الذباب شيئالا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب (73)}[الحج : 73].
الإستفادة من هذه القصة تتم على أوجه عدة منها ,فهم القصة وقرائتها كاملة .
والله ولي التوفيق.......